زارع الشوك ( رووووووووووعة )

إليك قصةََ صخر يا أخي عمرُ
فاسْمَعْ وأسْمِع فكم في ذكرها عِبَرُ
إذ قيل: يا صخر ما تهوى؟ فقال لهم
أن أزرع الشوك حتى يذهب العُمُرُ
قالوا : عجيب! فما تجني؟ فقال: به
أنسى الهمومَ , ويمضي عنيَ الضجرُ
قالوا: أتزرع شرا غير مكترث
فالبدو يصلى به الويلاتِ والحضر!
فقال: تالله ما أبغي بذلك أن
يؤذَى به حَيَوان قطُّ أو بشرُ
لكنْ تمتِّعـني حقا زراعتُـهُ
وليس يعجبني الإيذاء والضررُ
قالوا: اتق الله إنّ النار التي دُخلت
في هرة حبست حتى أتى القدرُ
وقام صخر يبثُّ البذر مجتهدا
أنى توجَّـه لا يُبقي ولا يـذَرُ
وكانت الأرضُ لما قام قاحلةً
كأنّ تربتَها من يُبْسِها حجرُ
وبعد حين أتتها السحبُ مثقَلَةً
مثلَ الجبال فثجَّ الماءُ ينهمِرُ
حتى إذا انسكبت في الأرض هاطلةً
وأخرج الشوكَ من بطنِ الثرى المطَرُ
وظلَّ صخرٌ ترى عيناه ما غرست
كفاه زرعا كثيرا شوكُه الإبَرُ
ما إنْ رأت مثلَه عينٌ ولا سمعت
أُذْنٌ ولا لمحته في الكرى الفِكَرُ
وقام صخر يخوض الشوك في حذر
وليس يعصمُه من وخزه الحَذَرُ
والنَّاس من حوله في كل ناحية
ضجَّت وآلمها الإعياءُ والضَّجَرُ
فبينما قد هوى قُدَّامَهُ رجلٌ
والشوك في كل عضوٍ منه مُنْكَسِرُ
علت منِ امْرأةٍ في الخلف وَلْوَلَةٌ
وخلفها صبية في الشوك قد جأروا
وفي اليمين جثا كهل وفي يده ال
يمنى دماء وفي يسراه تَنْفَجِرُ
وفي الشمال صغير وجهه حسَنٌ
لكنه بجروج الشوك يستترُ
وذاك كلبٌ وخوض الشوك غيَّره
فقال صخر: أذئب ذاك أم نمر؟
وأقبل الناس حتى قال قائلهم
(والشرُّ يقذف من عينيه والشرَرُ)
يا وغْدُ ويحك! يا من قد زرعت لنا
شرا وبيلا فلا ظل ولا ثمر
اليوم تجزى عذاب الهون, واختطف ال
تهديدَ آخَرُ قال: اليومَ تندحرُ
فقال : يا قومِ! قالوا: اسكت فتى وقحا
فلا يُنَجِّيك عذر حين تعتذرُ
وأوثقوه بفظّ من سلاسلهم
و أثبتوه بقيد ليس ينكسرُ
وأضجعوه على ما مهَّدوه له
من شوكه وهو مثلُ النار مستعرُ
واحرنجموا فوقه, في كف ذاك عصًا
تهوي عليه , وذا في كفه حجرُ
فبينما جلُده كانت تمَزِّقُه
أيدي الأنام وكاد العظم ينصهرُ
إذ شق جمعَ الورى من خلفهم رجلٌ
يصيح: يا ناس كفوا عنه وانتظروا
فوجَّهوا نحوه أبصارهم فإذا
شيخ وسمت الهدى في الوجه يبتدرُ
فقال : ويل لكم فكُّوا سلاسله
ماذا دهاكم؟ جنون أم بكم سَكَرُ
تدرون من ذا الذي من سوء ضربكمو
كادت ملامحه في الوجه تندثرُ؟
أما علمتم بأن الله كرَّمه
أمـا لكم قط في قرآنه نظرُ!
وهل جهلتم بأن الله فضله
على كثير؟ أما في الناس معتبرُ!
من أجله أُنزلت من ربنا كتب
تتلى, ومن أجله قد جاءت النُذُرُ
والشمس قد سخرت حتى تضيءَ له
طول النهار كما قد سُخِّرَ القمرُ
ذاك ابنُ آدم, كفوا عنه أيديَكم
فإنـه مثلكم يأيـها النفرُ
من منكمو لم يمتِّع نفسه زمنا
من المعاصي التي هامت بها البشرُ
من صان أذْنيه ـ والآثام باقية ـ
عن استماع به الآثام تستطرُ
من كف عينيه ـ واللذات فانية ـ
عن ( العيون التي في طرفها حورُ)
من عاشر الخلق لا حقد ولا حسد
من بايع الناس لا غش ولا غَرَرُ
من جاد بالمال للمحتاج ينفقه
ولم يكن بعده منٌّ ولا كدرُ
كل يسيءُ وعين الله تبصره
وإنَّه من عيون الناس ينجَحِرُ
كم قد عصى قبلكم قوم فعاجلهم
ضر وأقلع عنهم عندما طَهُرُوا
فاستغفروا تطهروا من كل معصية
والذنب ـ إن تبتمو ـ يُمحى ويغتفرُ
فما غزاكم أذًى إلا بما كسبت
أيديكمو مثلَما قد أخبرت سورُ
فالناس تُمْعِنُ في عصيان خالقها
فيَفْسُد البرُّ بالعصيان والبحَرُ
هذا, وقد كان صخر بين أظهركم
إذ يزرع الشوك, قالوا: ليس ينزجرُ
لقد زجرناه خوَّفناه من سقر
فلم تُخِفْ قلبَه ـ يا حسرة ـ سقرُ
فقال : ثم سكتم عنه! واعجبا!
وقد علمتم بأنّ الشوك ينتشرُ
هلا أطرتم على الحق الذي معكم
فردا وحيدا وأنتم حولَه كثُرُ؟
فلن يعمَّ وباء قطُّ أرضَكمو
لو أنّ أهل الأذى والسوءِ قد قُهِرُوا
ولن يزول بلاء عنكمو أبدا
لو أنهم فوق أهل الحق قد ظَهَرُوا
ثم دنا الشيخ من صخر فأطلقه
وقال والناس في أنحائها زُمَرُ
اسْتَرْضِ ربَّك ثمَّ الناسَ معتذرا
وبوءْ بذنبك لا غَمْط ٌولا بَطَرُ
وغيّرِ اسمك إن كنت امرءا فطنا
فإنما كان من جرائه العُسُرُ
فالصخر معلومةٌ فينا قساوتُهُ
فلا تقل إنني صخر ولا حجَرُ
فقيل من أنت؟ قال الشيخ حارثة
والذنب ذنبي وإن طالت به العُصُرُ
فإنني أنا من سميته قِدَمًا
وكلُّ كسر بعون الله ينجَبِرُ
وقام صخر لربّ الناس معترفا
وقال للناس إني اليوم أعْتَذِرُ
والآن أتخذ اسما طيِّبا فأنا
سهل بن حارثة فلينشرِ الخبرُ
وإنّ من توبتي ألا يمسكمو
مني أذى قط مهما امتد بي عمُرُ
ولا تتم لعبد توبة أبدا
إن ظل في الأرض مما قد جنى أثَرُ
ثم مضى حاملا فأسا وبغيتُهُ
ألا يلوح لطرف ذلك الشَجَرُ
فاستقبلته من الأشجار واحدة
( فاجتثها فهوت في النار تستعرُ)
وظل يقتطع الأشجار يبتُرُها
ويشعل النار فيما كان ينبتِرُ
حتى رأى الشمس عن عينيه آفلة
فلم يبال فها قد أشرق القَمَرُ
فلم يزل يقطع الأيام في دَأَبٍ
وشأنه في الليالي الصبرُ والسَهَرُ
فالشوك صار رمادا بعد شوكته
وبات عند هبوب الريح ينْتَثِرُ
وكان أسْود أنَّى سرت تبصره
ثم استحال مدادا إذ همى المطرُ
واستغفر الناسُ للآثام ربَّهمو
وهْو على محوها إن شاء مقتدرُ
وأتبعوا التوبةَ الإصلاحَ فاجتهدوا
حتى كسا الأرضَ بعدُ السندسُ الخضِرُ
طيرٌ تغني وأوراقٌ مصفقة
والوردُ يرقصُ للألحان والزهَرُ
فبينما ملأ منهم وحولهمو
حسن الطبيعة أنَّى صوّب البصرُ
إذ مرَّ سهل فحيَّاهم وغادرهم
ووجهه ضاحكٌ مستبشرٌ نضِرُ
فقيل:سَهْلٌ بأنْ يفتَّر مفتخرًا
أهلٌ؛ فبالخير والإصلاح يُفْتَخَرُ
فإنَّهم لعلى الحال التي ذكرت
وكان يجري نسيمٌ طيِّب عطِرُ
إذ جاء من قرية تلقاءهم رجل
يصيح يا ناس إنَّا جاءنا الخطَرُ
أعداؤنا مزَّقوا أنحاء قريتنا
عاثوا فسادا أبادُوا قتَّلوا أسروا
يكاد ينهدُّ من عدوانهم جبل
والنهر من ظلمهم قد كاد ينحسرُ
آباءَنا ضربوا أموالَنا سلبوا
أبكارَنا اغتصبوا أطفالَنا نحروا
داسو المصاحفَ بالأقدامِ ناعلةً
هدُّوا المساجد من فوق الأُلى عَمَرُوا
هيا انفروا ثكلتكم أمهاتكمو
طوبى لمن غضبوا لله أو ثأروا
إني لمستنصر هيا لندحرهم
فكل من حارب الجبارَ مندحِرُ
ثم تولى فحاصوا حَيْصَةً فبدت
خيول سهل على هاماتها غُرَرُ
فقال: قوموا عباد الله ننصرُهم
وكل من ينصر الرحمن منتصرُ
بُعدا لمن قعدوا جبنا أو ارتعدوا
طوبى لمن نفروا ويل لمن كفَرُوا
فقال كهل: ألا يا ناس معذرة
إني سأبذلكم نصحي وأختصر
إن الألى هاجموا جيراننا ظلموا
أمرٌ يسوء ولكن شاءه القدر
داسوا المصاحف لكن لا نُكَفِّرُهُمْ
هدُّوا المساجدَ لكن ربما عُذِرُوا
هذا, ونحن بحمد الله بلدتنا
طاب النسيمُ بها والظلُّ والثمرُ
فكيف نخرج من جنات قريتنا
إلى لظى غيرها! ذا مسلك وَعِرُ
قوم أصابوا سوانا ما لنا ولهم!
تالله ليس لنا في حربهم وطرُ
فصفَّق الناس إلا قلةٌ سكتت
كادت قلوبهم من ذاك تنفطرُ
فقال حارثة : فلتبقَ منقمعا
مع القواعد حيث الذلُّ والخورُ
فيم التثاقل للّذات وا أسفا
( لا خير في لذة من بعدها سقرُ )
وإنَّ مَن جاء منهم صارخٌ عجِلٌ
إخوانُنا استنصرونا عندما وُتِرُوا
فكيف قلت (سوانا ) إنّ ذا عجب
هذا لعمر إلهي العار والعَوَرُ
أمَا النفوسُ التي غيلت بمسلمة
أمَا الكتاب كتاب الله يا غُدَرُ
وخاطب الجمعَ ـ لما كان ذاك ـ فتًى
وقد تدلَّى على أكتافه الشَّعَرُ
فقال: يا قوم إنّا اليوم في الزمن ال
مكيّ حيث ظلامُ الشرك معتكِرُ
وأكثرُ الناس قد ساءت عقيدتهم
وهم بإحسانها في الوحي قد أمرُوا
هلا أقمنا لهم درسا لننقذهم
وقال آخر: في رأيي و( أفْتَكِرُ)
فقال سهل بصوتٍ منه مرتفعٍ
وقلبه مغضبٌ من قولهم حسِرُ
إن الجهاد لماضٍ غيرُ منقطعٍ
قلَّ الأسودُ حماةُ الدين أو كَثُرُوا
إن الجهاد لماض ليس يمنعه
عدلٌ أقيم ولا عدوانُ من فجروا
هذا الذي أخبر المبعوثُ من مُضَرٍ
بالسيف حتى يزول الشركُ والكُفُرُ
كم يزعُمُ الناس زَعْمًا أنهم تبعٌ
له, وما أغمدوا سيفا ولا شَهَرُوا
لو كان ـ صلى عليه الله ـ بينَكمو
حاشا أيقعد والأعداء قد حضروا؟
لا ليس يَرضَى رَسولُ الله دينَكُمُ
( والطَّيِّبانِ أبو بكرٍ ولا عُمَرُ )
تالله لو أننا لانت مضاجعنا
فجاء أعداؤنا إذ أقبل السحرُ
ليُزْهِقُنَّ نفوسا بالدنا رضيت
ويُفْسِدُنَّ كما قد أفسد التتَرُ
تالله ما الغفلة الخرقاء تنفعنا
ولا ارتجاف أيادينا ولا الذُّعُرُ
إني لمنبعثٌ فاللهُ خالقُنا
قال: انفروا فانفروا يا أيها النفرُ
ثم مضى قاصدا أعداءه عجِلا
والشيخ من خلفه يعلو وينحدِرُ
وقام بعدهما قوم كأنهمو
أسْدٌ قساورُ بالتكبير قد زأروا
فأدركت خيلُهم سهلا فقال لهم
ووجهُهُ من سنا الإيمان مزدهرُ
يأيها الناس باسم الله فانطلقوا
فقاتلوا في سبيل الله من كفروا
تعسا لمن غلَّ شيئا لا يحل له
بُعدا لمن جبنوا سُحقا لمن غدروا
فشرَّقُوا للقا أعدائهم فإذا
جيشٌ من الغرب مثلُ السيل ينهمِرُ
فأبصرته عيون القاعدين فلا
ذوا راكضين خفافا حيث لا وَزَرُ
لا تركضوا إنه الموت المبيد وقد
أهوى بفيه عليكم وهو مُنْفَغِرُ
حزُّوا رقاب الألى باعوا نعيمهم ال
باقي بعيش زهيد شابَه الكدرُ
فبينما هم على أكنافها سمعوا
صوت الأسود الألى غابوا فقد حضرُوا
عاد الألى نفروا نصرا لدينهمو
من بعدما هزموا الأعداء وانتصروا
حتى إذا ما بدت أشلاء من قعدوا
سلوا السيوف وحول القرية انتشروا
فاضت قلوب العدى خوفا فقد سمعوا الت
تكبير بل كاد جبنا يذهب البصر
فقاتلتهم جنود الله فانهزموا
والنصر كان لجند الله والظفرُ
فتلك قصةُ سهل يا أخي عمرُ
فاسْمَعْ وأسْمِع فكم في ذكرها عِبَرُ
وقل لأنفسنا اللاتي تعذِّبُنَا
(حتامَ نَسري وهذا الليل معتكرُ)
وقل لأرواحنا اللاتي يعذِّبُهَا
حبُّ الحياة ارعوي قد أوشك السَّفَرُ
أمن شرابهمو شَيُّ الوجوه غدا
كمن جرى تحته في الجنة النَّهَرُ
هيا إلى جنة علياءَ زيَّنهـا
حورٌ , وزيَّن فيها حورَها الحَوَرُ
فليس يرقى إلى العلياءِ من قعدت
به المذلةُ حيث السفحُ والحفرُ.

منقولة

حكم والله
من حفر حفرة لاخيه وقع فيها
كلام مؤسس والله تقبل مروري

جزاك خيراً يا عمار ودمت لنا
مشكووووووووووووووور